التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المرتديات: الموجة الجديدة

Google founder Sergey Brin wearing Google Glass
سرجي برين يرتدي نظارة جوجل
اعتدنا التكنولوجيا موجات، أو قل توجهات.
التوجه الحالي و الذي بدأ منذ حوالي ست سنوات هو توجه الأجهزة الذكية المحمولة. بدأ هذا التوجه بالإعلان عن الأيفون في العام 2007، حيث تم إعادة اختراع الهاتف المحمول بشكل كامل، الجهاز الذي بدأ كمجرد هاتف جوال -كما اعتدنا تسميته- فقط يتيح لنا إمكانية الإتصال بدون أسلاك، و في أي مكان، و أي وقت حظي بتطويرات متسارعة متعاقبة أضافت إليه إمكانية تشغيل الموسيقى و التقاط الصور و تصفح الانترنت. تحول بعد الأيفون إلى الهاتف الذكي الذي يتمتع بقدرات عالية فيما يخص استخدام خدمات شبكة الإنترنت، و دعم التطبيقات المختلفة التي دفعت الهاتف إلى آفاق بعيدة، بالإضافة إلى خدمات تحديد الأماكن و غيرها من الخدمات المدمجة.

خلال نفس الموجة ظهرت الأجهزة اللوحية بظهور الأيباد كحالة وسيطة بين الحاسب المحمول و الهاتف الذكي.
ثم أخيراً تحولت الحواسب المحمولة إلى الـ"UltraBooks" شديدة النحافة والـ"Convertabls" "المتحولات" التي يمكن تغيير شكلها بنزع الشاشة أو طيها للتبديل بين وضع استخدامها كحاسب محمول أو حاسب لوحي. و ذلك مسايرة للتحسينات التي لحقت بنظام تشغيل ويندوز في نسخته الجديدة "8" التي أتت بواجهة مستخدم محسنة لدعم تقنيات اللمس على نطاق واسع.

و هنا كانت نهاية موجة الأجهزة الذكية المحمولة.

الموجة الجديدة هي موجة الـ"Wearables" يمكن أن تسميها "المرتديات"
 و هي الأجهزة الذكية القابلة للارتداء كأحد الأكسسوارات.
تبدو معالم هذه الموجة واضحة في أجهزة جديدة نسمع عنها كل يوم مثل أطواق المعصم التي أنتجتها شركات مثل "نايك" "Nike"، و التي تساعد مرتديها على تتبع نمط نشاطه. كذلك الساعات الذكية؛ حيث أنتجت سوني بالفعل ساعة ذكية تعمل بنظام الأندرويد و تسمح بتشغيل الوسائط و المزامنة مع الأجهزة الذكية الأخرى و تشغيل بعض التطبيقات. أيضاً أعلنت مايكروسوفت عن نيتها إنتاج ساعة ذكية تعمل بنظام تشغيل ويندوز. كما تسربت شائعات عن نية جدية لدى أبل لإنتاج ساعة ذكية تعمل بنظام "IOS"، و بالطبع تعمل سامسونج أيضاً على ساعتها، كذلك العديد من الشركات الأخرى.
كما أبهرتنا جوجل بحذاء عجيب أنتجته بالتعاون مع "أديداس" يتتبع حركة صاحبه و يشجعه صوتياً على زيادة نشاطه. كذلك نشرت بعض المواقع المهتمة بالتقنية خبر عن تسجيل شركة أبل لبراءة اختراع حذاء ذكي يبدو أنه يحمل مواصفات قريبة من مواصفات حذاء جوجل.
الأمر تعدى البشر و وصل إلى الحيوانات حيث أنتجت شركة "دي سي 50" "DC50" طوق للكلب يدل صاحبه على مكانه عن طريق تقنية تحديد المواقع من خلال الأقمار الصناعية GPS.
هذ بالإضافة إلى نظارة جوجل Google Glass و نظيراتها الأقل شهرة لدى الشركات الأخرى، و بعض المنتجات التي تدمج بعض الوظائف التقنية في الملابس، و بعض الأفكار الجديدة التي تقترح تاتو ذكي و غير ذلك.

هذه التقنيات قادمة لا محالة؛ و ستسيطر على حياتنا لا محالة. الميزة الأهم في هذه الأجهزة هو الإعتماد الواضح لتقنيات الواقع المعزز"Augmented Reality" و بعضها مبني في الأساس على دعم التقنية مثل نظارة جوجل.
 شيء آخر و هو تماهي القطعة التقنية مع المستخدم فهي ليست هاتف أو حاسب تضعه في جيبك أو حقيبتك بل ربما هي الجيب نفسه أو الحقيبة نفسها؛ إنها ساعة أو نظارة أو تيشرت أو حذاء أو زر قميص ترتديه طوال الوقت.
سترى العالم من خلال الجهاز أو على أقل تقدير سترى العالم بصحبة الجهاز. و من هنا تبرز الميزة الثالثة و هي قدرة هذه الأجهزة على تتبع نمط حياة المستخدم، أو مؤشرات جسده، و هو ما يمكن توظيفه في استخدامات لا حصر لها. أبرزها الرعاية الصحية، و تحسين نمط الحياة، و مجال أكبر لتوقع سلوك المستخدم و توليد الاقتراحات بما يستدعي تطور كبير في أنظمة المساعد الشخصي و التي بدأت بالفعل في الظهور بشكل جدي منذ إعلان أبل عن خدمة Siri على نظام IOS و محاولة جوجل اللحاق بها على نظام Android من خلال خدمة Google Now.  

صعود هذه الموجة من الأجهزة لا يعني على الإطلاق توقف تطور تقنيات الموجات السابقة. بل يعني أن هذه الأجهزة ستكون هي محل الإهتمام الأكبر و موضع التنافس الأبرز، ستتصدر الاخبار التقنية، و تتابع فيها التطويرات و التحسينات بوتيرة متسارعة. لكن ستظل أجهزة الموجات السابقة محتفظة بأهمية كبيرة. هذا بالضبط ما حدث مع أجهزة الحاسب الشخصي التقليدية بعد صعود موجة الأجهزة الذكية المحمولة. أخذت في التطور لكن لم تكن في بؤرة الاهتمام كسابق عهدها. 

كالعادة تتصاعد التساؤلات بشأن هذه الاجهزة، و أبرزها بالطبع التساؤلات عن الخصوصية. ماذا إن استطاع أحدهم أن يخترق نظام الجهاز و يطلع على كل أنشطتي، كل حياتي، يرى ما أرى و يسمع ما أسمع؟ هل سنرتدي بأنفسنا أجهزة التجسس؟
ما الآثار النفسية و الإجتماعية المترتبة على انتشار مثل هذه الاجهزة في المجتمعات؟
أي تغيير سيطرأ على نشاطاتنا العادية بدخول هذه الاجهزة؟
اي تغير سيطرأ على الشركات الكبرى في المجال بسبب هذه الاجهزة؟ أو من الرابح و من الخاسر؟

فيما يخص إجراءات الخصوصية من المؤكد أن جلبة كبيرة ستثور حول الموضوع و تستمر طويلاً، لكن من المؤكد أيضاً أن ذلك لن يؤثر على انتشار الاجهزة. فيما يخص العواقب النفسية و الإجتماعية و الأخلاقية فسوف تكون أكبر مما عقبتها الأجهزة الأخرى بمدى واسع جداً...تخيل كيف كان العالم سيبدو الآن في 2013 لو لم يتم اختراع الهاتف المحمول؟ بالتأكيد مثل هذه الأجهزة تؤثر على كل شيء، و تغير العالم فعلياً. البعض مازال يأخذ على الهواتف تأثيرها الاجتماعي من حيث كونها تعزل الإنسان عن محيطه الاجتماعي الطبيعي و تأخذه إلى مكان آخر من خلال مكالمة أو رسالة، ما رأيك إذن في جهاز يتيح للإنسان الذي يجلس أمامك و يتبادل الحديث معك أن يتصفح الإنترنت أو يلتقط الصور دون أن يمقطع عنك و بدون أن تشعر أنت بأي شيء؟

أما انشطتنا اليومية العادية فسيطرأ عليها تغير راديكالي. شبيه أيضاً بالتغيير الهائل الذي أحدثته التقنيات السابقة كالهاتف المحمول أو الذكي. إنه من الصعب حتى مجرد تخيل حياتك بدون الجهاز، و هذا في حد ذاته يدل على مدى تجذر و تماهي هذا الجهاز في روتين حياتك اليومية، و بالتالي عظم تأثيره عليك كشخص، و على المجتمع ككل.

و من الصعب توقع تأثير أقل راديكالية على الشركات. تحتاج الشركات لتغيير كبير يتناسب مع التغير في حالة السوق. الشركات التي تواكب الموجة و تتكيف مع التغيير تستفيد من الموجة الجديدة. أما الشركات التي تبدي قدر أقل من المرونة و التكيف فستواجه المتاعب.

ابتسامة أخيرة
في بعض الأماكن و بعض الإجتماعات يطلبون من الحضور ترك أجهزتهم الذكية خارج القاعة. لابد أن الأمر سيكون عسير في المستقبل عندما يطلبون  منك أن تترك الحذاء و القميص و الساعة و النظارة!

أشفق على مراقبي الإمتحانات الذين يعانون بسبب الأجهزة الذكية. ماذا سيفعلون حيال هذه الاجهزة الجديدة..ربما تؤدي هذه الأجهزة إلى تغيير أنظمة الإمتحانات التقليدية!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تحدد كونك مجنون أو عاقل؟

  هل أنت مجنون، أم عاقل؟ طبعاً عاقل؛ هل جننت؟ و ما أدراك أنك عاقل؟ كيف أبدو لك؟ دعك مني، ما دليلك على كونك عاقل? لا أتصرف كالمجانين. و هل يدرك المجنون أنه يتصرف كالمجانين؟ أقصد لا أرتدي ثياب ممزقة، و لا أضرب الناس، و لا أكلم نفسي، و لا أتخيل أشياء غير موجودة. و هل يدرك المجنون إتيانه لهذه التصرفات؟ حسناً، كيف تثبت أنت أنك عاقل؟ لا أستطيع أن أثبت ذلك؛ ليست هناك قواعد ثابتة لدى كل الكائنات تحكم على مدى منطقية الأحداث. في الحلم ترى أشياء عجيبة لا يمكن تصديقها مع ذلك لا تستغربها إطلاقاً و تتصرف معها بشكل طبيعي جداً كأنك لا ترى أي شيء غريب. كذلك المجنون يرى الأشياء وفق منطقه الخاص يرى الأشياء بعينه هو ليس كما تراها أنت و يتفاعل معها بمنطقه هو ليس بمنطقك أنت فيبدو لك مجنون. و المجنون بذلك هو من يختلف نمط إدراكه عن نمط إدراك بقية البشر العاديين، و يختلف منطق حكمه و بالتالي طريقة تفاعله عن البشر العاديين. كثيراً ما نسمع عبارة أن الجنون و العبقرية بينهما شعرة. ماذا لو كانت تلك الشعرة هي الفاصل الدقيق بين بين نهاية النمط البشري العادي في الادراك و التفكير و ما ورا

كيف نقيس مدى نجاح التعليم عبر الانترنت

       أحد مساوئ المقررات الهائلة المتاحة عبر الانترنت أنها ليست على درجة عالية من الفعالية، على الأقل اذا قيست الفعالية على أساس معدلات الإنجاز. فإتمام 20% من الطلاب لمقرر عبر الانترنت يعتبر انجاز هائل، و اتمام 10% أو أقل من الطلاب للمقرر هو المعدل العادي. لذا فإن المقررات المتاحة عبر الانترنت لا تزال في طور الهواية و لم تصل بعد لدرجة أن تكون بديل حقيقي للتعليم التقليدي. الداعمون للتعليم عبر الانترنت  يرون أن لغة الأرقام تصب في صالحه حيث أنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يمهد للحدث الهائل المقبل على الانترنت –الجامعات. اذا حضر 100000 طالب مقرر مجاني عبر الانترنت و أتمه منهم 5000 فقط فإن الرقم ليس بهين. إن طبيعة المقررات المتاحة عبر الانترنت من حيث كونها رقمية و منشورة على الشبكة يجعل منها وسط مثالي لتقييم المحتوى. في وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا تعاقدها مع احد مطوري المقررات المتاحة عبر الانترنت يوداسيتي Udacity لتصميم ثلاث مقررات تجريبية. و قد ذكروا أن المؤسسة الوطنية للعلوم وافق

تعريف بكتب مصطفى محمود (1) عصر القرود

غلاف الكتاب كتاب خفيف و شيق، يقع في مائة صفحة. يصف فيه الكاتب عصرنا هذا- أفترض أنه مازال نفس العصر -  بأنه عصر القرود. عصر انخسف فيه الإنسان و انحط إلى أدنى درجات البهيمية عندما أهمل روحه و عقله، و صار عبداً لجسده و شهواته. فيتحدث عن المرأة المرغوبة أو المرأة "السكس" -كما يسميها في الكتاب- تلك المائلة المميلة التي حولت نفسها لوجبة تنادي الآكلين. ثم يعرض مظاهر قدوم عصر القرود من فساد الأرض و البحر و الجو و حتى الفضاء على يد الإنسان، علاوة عن الفساد الخلقي المصطبغ بصبغة عقلية كاذبة. و ينتقل الكاتب إلى انتقاد الفهم الشائع عن الحب و الغرام؛ و يقدم مفهومه الخاص للعلاقة السليمة بين الرجل و المرأة و التي يرى أنها تعتمد على السكن و المردة و الرحمة كما ذكر القرآن لا على الحب  و يعتبر الكاتب الحب صنم العصر الذي يطوف حوله العاشقين. حيث يرى أنه لا يشكل أساساً قويماً تنبني عليه علاقة. و يبين كيف أن الرجل الفاضل لا ينجرف في تيار العشق؛ و دلل على ذلك بدعاء يوسف لربه  (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]  و كذلك برأي الإ