حسناً.. لا أحتاج أن أخبركم أنني لم أحضر أبداً مباراة كرة قدم في الإستاد، لم يحدث هذا من قبل، و غالباً لن يحدث، لكن ماذا لو حدث؟
آخر مرة شاهدت فيها مباراة كرة قدم كانت من حوالي عامين (نعم عامين). إذ تحت ضغط شديد و إلحاح من الأصدقاء جلست لأشاهد معهم مباراة الكلاسيكو الإسباني على المقهى. و لم أكن أعلم حينها معنى "مباراة الكلاسيكو" لكنهم -جزاهم الله خيراً- صبروا على جهلي و شرحوا لي بهدوء أن هذا المصطلح يشير إلى لقاء الفريقين الكبيرين برشلونة و ريال مدريد، أو البرسا و الريال كما يحلو لهم تسميتهما.
أذكر أنني قررت حينها أن أتابع المباراة بجدية تامة، و تركيز شديد في نقلات الكرة و تطورات اللعب، و كانت النتيجة صداع.
كانت سرعة اللعب أعلى كثيراً مما أعتدت على مشاهدته في المباريات المحلية، مع قدر كبير من الحركات الفنية و استراتيجيات اللعب التي لم أرها من قبل. بالإضافة أنني فهمت بعد ذلك أنه ليس هكذا تكون مشاهدة الكرة. بل يجب أن تجذبك اللعبة إليها و ترغمك على التحديق المستمر في نقلات الكرة حينها تستمتع بالمشاهدة. بينما فعلت أنا عكس ذلك بالضبط إذ كنت أرغم نفسي على التركيز و الحملقة المتواصلة.
على كلٍ.. بعد أن أرهقتني المباراة لم أكرر تلك التجربة منذ ذلك اليوم حيث أنني لم أخلق لهذا. و لكن خطرت ببالي فكرة .. ماذا لو حضرت مباراة كرة في الإستاد؟
ماذا سأفعل و كيف سأتصرف؟
بالنسبة لي كشخص لا يشاهد المباريات على التلفاز اللهم إلا بعض المباريات المهمة التي يخوضها منتخب مصر مثل المباراة النهائية في كأس أفريقيا، ماذا سأفعل لو وجدت نفسي في استاد بين جمهور متحمس بشدة للمباراة؟
أغلب الظن أنني لن أجهد عيني و رأسي و ساقاي لمتابعة حركة الكرة بالملعب، و لن أجهد ذراعاي بالتلويح أو صوتي بالتشجيع و التصفير، و سأكتفي بالوقوف كأحمق يحملق في سلوك الجمهور و نمط انفعاله و تفاعله مع اللعبات و رد فعله تجاه الهجمات و الأهداف و الفرص الضائعة و العقوبات و الحركات الفنية.
ربما سأكتشف حينها طبيعة العلاقة التفاعلية بين الجمهور و اللعب!
و ربما بينما أنا أحملق و أتتبع الأنماط المتكررة أكتشف -مثلاً- أن العلاقة التفاعلية بين الجمهور و اللعب تعمل في الإتجاهين، بمعنى أنه كما يؤثر اللعب على رد الفعل الجمهور؛ فإن الجمهور أيضاً يؤثر على الللعب.
و ربما أصيغ نظرية تنظم تلك الظاهرة في إطار علمي. و ربما أحاول أن أعمم فهم النظرية على ظواهر أخرى!
ثم يأتي بعد عدة سنوات باحث سويسري يستلهم من نظريتي المجيدة حل لإحدى المشكلات العلمية المعقدة. الأمر الذي يلفت انتباه المجتمع العلمي العالمي إلى نظريتي العظيمة. و هكذا يتتابع العلماء و الباحثون في استلهام أفكار و حلول للعديد من المشاكل العلمية من خلال نظريتي، وأصبخ خلال عدة سنوات محترماً، مبجلاً، ذو شهرة عالمية!
ثم تتفضل لجنة جائزة نوبل المبجلة بمنحي الجائزة، لا أعرف في أي مجال سيمنحوني الجائز، لكنهم سيكتبون" يمنح السيد/ عصام الجائزة عن نظريته العظيمة التي أسهمت في إعطاء تفسيرات و حلول للعديد من المشكلات العلمية في مجالات الإقتصاد و علم الحشرات و علوم النفس و الإجتماع( و شوية علوم أخرى) و ما ترتب عليها من دفع حركة العلم إلى الإمام و الإسهام في تقدم البشرية".
و هكذا يمكن أن يجلب لي حضور مباراة كرة المجد و الشهرة و المال.
يا لها من لعبة!
....و هنا استيقظت من حلم اليقظة الجميل لأدرك أنني نسيت كوب الشاي حتى برد.
تعليقات
إرسال تعليق