القطط الصغيرة، لي بتي شا les petit chats فريق موسيقي تشكل وظهر في ستينيات القرن الماضي في مصر. أخرج لنا هذا الفريق الذي كان يحظى بشعبية كبيرة وسط الشباب خلال فترة نشاطه بعض كبار الموسيقيين المعاصرين أمثال عمر خيرت وهاني شنوده وعمر خورشيد وغيرهم.
فريق من الشباب الصغار .. الجيل الجديد آنذاك.. الشباب الذين اطلعوا على الموسيقى الغربية وأحبوها ومالوا لها أكثر من الشرقية.. جمعوا بعضهم وكونوا فريقاً.. فريق يغني الموسيقى الغربية.
مرت السنون؛ بالتحديد أربعون سنة، والتقى أعضاء البتي شا واتفقوا على تنظيم حفل بنفس أعضاء الفريق الأصليين، كل على آلته الأصلية. تجربة جيدة لا شك. يكفى أن ترى عمر خيرت يلعب على ال drums.
استمتعت بمشاهدة وسماع فقرات الحفل على يوتيوب، وتوقفت عند إحداها، فقرة كانوا يؤدون فيها أغنية "سولي ميو" الشهيرة، كان الأداء جيداً في رأيي كموسيقى وغناء. لكني لاحظت في التعليقات من ينقم على الفريق والمؤدي/المغني بشدة لتشويههم للأعنية البديعة التي لا يليق بها أن تؤدى بتلك الطريقة الارتجالية "هليهلي" وإنما تحتاج لأوركسترا كامل يعزف اللحن، ولصوت أوبرالي مدرب كصوت "بافروتي".
نسيت الأغنية والتعليق وتذكرت مقابلة تلفزيونية للأستاذ نجيب محفوظ -رحمه الله- شارك فيها بعض جمهوره بطرح الأسئلة على الأستاذ. كان السؤال الأبرز عن أعماله التي تم تحويلها إلى أفلام سينمائية وأعمال درامية؛ ألا يرى الأستاذ أنها قد شوهت بشدة وأن الأصل الروائي مغاير تماماً لما ظهر على الشاشة؟
وهو سؤال لا يلبث يطرح باستمرار بحق الأعمال الأدبية التي يتم تحويلها إلى أفلام ومسلسلات.
كان رد الأستاذ أنه متصالح مع الأمر إلى حد كبير؛ إذ أنه يعتبر أن الفيلم شيء والرواية شيء آخر.. ولا يجدر بنا قياسهما إلى بعض أو مقارنة أي منهما بالآخر.
بهذا الرد يخرج الأستاذ نجيب نفسه من دائرة الجدل حول انحراف الأعمال المبنية والمستوحاة من كتابات أدبية عن أصلها الأدبي. فالفيلم أو العمل الفني بوجهة النظر تلك إنما هو منطلق من الأصل الروائي وليس عليه بالضرورة أن يلتزم به على طول الخط.
وإذا كان الأستاذ نجيب قد وجد طريقاً يتصالح به مع الأعمال الفنية التي لم ينف ابتعادها وحيودها عن الأصل الأدبي فإن الحال ليس نفسه بالنسبة للكثيرين أو قل الأغلبية من الكتاب والمؤلفين الذين يعلنونها طول الوقت صريحة هذا الفيلم لا علاقة له بروايتي.. وما ينفك يشكو من سلسلة التعديلات والتحريفات والتشويهات التي مر بها عمله على يد السيناريست ومن ورائه المخرج ومن ورائه الممثل ومن فوقهم جميعًا المنتج. كيف تواطئوا جميعاً لإفساد الأعمال الأدبية وتحريفها.
ردود فعل مثل تلك قد تنتج -في ظني- من سببين. أحدهما إعلاء الإنتاج الشخصي وإضفاء هالة من القداسة عليه، واعتبار أن أي شيء يمسه إنما هو لوث يفسد نقاء اللبن.
والآخر هو مناعة ضد الإبداع ورفض للتغيير.. ويمكنك أن تضيف إليهم كره التعدد والخوف من المتغيرات وتنوع الرؤى والآراء.
في الرأي الواحد نجد متعة في اتساق المشهد.. لون واحد يمثل قمة الصفاء.. صوت واحد قمة التناغم.. رأي واحد غاية المراد. تلك مدرسة تستوطن المجتمعات الأقل تحضراً.
سمعت الموسيقار هاني شنودة يتحدث ذات مرة عن ميل المجتمعات الأكثر تحضراً إلى اللحن المتنوع المشتبك متعدد الأصوات والطبقات، بينما المجتمعات الأقل ثقافة وتحضر تميل للحن ذو الصوت الواحد الذي تعمل فيه كل الآلات مع قلتها على أداء نفس الجملة الموسيقية بلا اختلاف، وهو شيء يمكنك ملاحظته واضح تماماً في الأغاني والمقطوعات التي انتشرت في الحقبات الديكتاتورية في بلدان مختلفة والألحان الوطنية منها بالذات. ولهذا أحب هتلر موسيقى فاجنر.
طبعاً الأمر لا يقتصر على بلداننا فقط، ويسهل بك أن تجد في المنتديات أحاديث مطولة عن بشاعة أفلام هاري بوتر إذا ما قورنت بنصوص الروايات الأصلية، وتجد نفس الكلام عن سيد الخواتم وحتى روايات دان براون وغيرهم.
تحويل نص روائي إلى عمل فني لا يلزم له ولا يجب عليه بل ربما لا يجدر به أن يتتبع النص الأصلي بالمسطرة.. إنما عليه أن يعكس وجه من وجوهه. فالنص طالما أنه لم يكتب خصيصاً للفيلم أو المسلسل فهو يحتاج حتماً إلى مواءمة للغرض الذي سيستخدم له، تلك المواءمة تقتضي الكثير من التغييرات المقصودة وغير المقصودة.
وكل من يلعب دوراً في عملية التغيير تلك يحمل فهماً مختلفاً للنص الأصلي ويترك بصمة شخصية في العمل الفني النهائي. هذه التغييرات المقصود منها والعفوي، وتلك البصمات المتتابعة لمن شاركوا بالعمل ينتج عنها ما نلاحظه من مغايرة العمل الناتج للأصل الروائي.
وعلى سبيل الخاتمة أقول كانت أول تجربة عملية لي لفهم موضوع اختلاف فهم الناس للعمل الأدبي هو حين نشرت قصة قصيرة لأول مرة؛ وهي قصة ماء طبيعي التي أرسلتها إلى مسابقة القصة القصيرة بمجلة العربي ففازت بالمركز الأول ونشرت بالمجلة مع تعليق من المحكم كما أذيعت على راديو مونت كارلو الدولية مع تعليق أكثر إسهاباً من المحكم أ.د سليمان الشطي.
تبين لي وقتها أن كل شخص قرأ القصة كان يخرج بفهم مختلفك، آو قل يقرؤها على وجه معين، بدءاً من المحكم مروراً بالأصدقاء وغير الأصدقاء وحتى أبي وأمي.
ومرجع ذلك كله إلى اعتماد القصص والروايات عموما في روحها على التمثيل والمشابهة.. فإذا ضرب العمل الأدبي مثلاً فإن للقارئ أن يسقطه على ما شاء حسب ثقافته وتجاربه. والعمل الأدبي لا يأتي معه دليل للقراءة والتفسير كما تعلم.
هذا يتيح للقارئ، كل قارئ امتلاك رؤيته/قراءته الخاصة للعمل، وليس لأي شخص -بما في ذلك الكاتب- إجباره على فهم معين.
تعليقات
إرسال تعليق