التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ذو العقل و السؤال القديم

          
     
The Thinker statue
تمثال المفكر
 إنه السؤال القديم والإلزامي. لابد أن تختار أحد الاتجاهين. ليس لديك من يساعدك في الاختيار. كثير من الناس لا يدركون معنى السؤال.  كثير من الناس لا يدركون وجود السؤال أساساً. وفي عالم يختار بنفسه أن يسكر عقله ويفضل الحياة الحيوانية على كل شيء آخر؛ فإن الذين يختارون الاتجاه الصحيح قلة.

أظنك فهمت أي سؤال أقصد. إنه السؤال القديم الذي تعرض له كل بشري بوعي أو بدون وعي.

 لخصه أبو الطيب المتنبي في بيته الرائع

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله........... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

ولخصه مورفيوس لنيو في حبتين زرقاء وحمراء  في ذماتركس.

ولكن في العالم الحقيقي لن يخيرك أحد بين حبتين، عليك أن تدرك بنفسك وجود الحبتين، كما عليك أن تختار بنفسك بينهما.
إنه الاختيار بين أن تحيا كإنسان أو أن تعيش كدابة من دواب الأرض
في العالم الحقيقي عليك أن تختار بين أن تشقى في النعيم، أو أن تتنعم في الشقاء.

الذين يختارون التنعم في الشقاوة ويريحون عقولهم من عناء التفكير والتدقيق في كل صغيرة وكبيرة في الحياة ويؤثرون ملذات الحيوان على أفكار عقل الإنسان وصفاء روح الملاك غالباً لا يدركون أساساً تعرضهم للسؤال، بمجرد أن ترد الفكرة على عقولهم ينصرفون عنها سريعاً، عبارتهم الأثيرة الحياة قصيرة دعنا نستمتع بها.

بينما الذين يختارون شقاء التفكير يرون في العقل قيمة الإنسان. وبدونه لا معنى للإنسانية، لا يمكنهم إسكات ضمائرهم، لا يمكنهم التوقف عن التساؤل عما حولهم، لا يستطيعون التوقف عن التدقيق في كل ما يعرض لهم، في بحث مستمر عن المعاني الكبرى للوجود.

وقد لخص الإمام علي -كرم الله وجهه_ حال الصنفين في عبارته الشهيرة في المقارنة بين حال الحيوان والإنسان والملاك إذ وصف الحيوان بأنه شهوة بلا عقل، والإنسان بأنه عقل وشهوة، والملاك بأنه عقل بلا شهوة؛ فإذا سما عقل الإنسان على شهوته فهو فوق الملاك، إذا ما سمت شهوته فوق عقله فهو دون الحيوان.

والأمر في الوقع لا يعمل بمنطق الكل أو لا شيء؛ بل يشبه خط منتصفه تعادل وفي أقصى يساره أولئك الذين انفصلوا عن كل معاني الإنسانية وتخلوا عن كل شرف يأتي به العقل واتصفوا بكل خسة تجلبها الشهوة الحيوانية، وفي أقصى اليمين أولئك الذين سموا بعقولهم أيما سمو، وصاروا يتحكمون بشهواتهم بشكل كامل واتصفوا بكل شرف يجلبه العقل وانتفى عنهم كل سوء يجلبه غيابه.
إلا أن الذين يقعون عند الطرفين هم قلة قليلة، و معظم البشر يقعون بين ذلك، تعظم كثافتهم على جانبي نقطة التعادل، و تقل كلما اتجهنا إلى الطرفين.
 أنت حتماً تقع عند نقطة ما على طول هذا الخط. كما أنك ربما تنتقل منها إلى أحد الاتجاهين تنزلق إلى اليسار أو ترتقي إلى اليمين. إضا كنت لا تدرك أنك تتحرك على الخط فأنت تتجه إلى اليسار، أما إذا كنت تتجه لليمين فأنت تبذل جهد كافي واعي للتحرك في هذا الاتجاه. باستطاعتك دائماَ أن تغير اتجاهك، فاعمل على ذلك. اعمل على أن تكون في المكان الصحيح. إذا تركت نفسك ستنزلق دون وعي، فلا تتركها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تحدد كونك مجنون أو عاقل؟

  هل أنت مجنون، أم عاقل؟ طبعاً عاقل؛ هل جننت؟ و ما أدراك أنك عاقل؟ كيف أبدو لك؟ دعك مني، ما دليلك على كونك عاقل? لا أتصرف كالمجانين. و هل يدرك المجنون أنه يتصرف كالمجانين؟ أقصد لا أرتدي ثياب ممزقة، و لا أضرب الناس، و لا أكلم نفسي، و لا أتخيل أشياء غير موجودة. و هل يدرك المجنون إتيانه لهذه التصرفات؟ حسناً، كيف تثبت أنت أنك عاقل؟ لا أستطيع أن أثبت ذلك؛ ليست هناك قواعد ثابتة لدى كل الكائنات تحكم على مدى منطقية الأحداث. في الحلم ترى أشياء عجيبة لا يمكن تصديقها مع ذلك لا تستغربها إطلاقاً و تتصرف معها بشكل طبيعي جداً كأنك لا ترى أي شيء غريب. كذلك المجنون يرى الأشياء وفق منطقه الخاص يرى الأشياء بعينه هو ليس كما تراها أنت و يتفاعل معها بمنطقه هو ليس بمنطقك أنت فيبدو لك مجنون. و المجنون بذلك هو من يختلف نمط إدراكه عن نمط إدراك بقية البشر العاديين، و يختلف منطق حكمه و بالتالي طريقة تفاعله عن البشر العاديين. كثيراً ما نسمع عبارة أن الجنون و العبقرية بينهما شعرة. ماذا لو كانت تلك الشعرة هي الفاصل الدقيق بين بين نهاية النمط البشري العادي في الادراك و التفكير و ما ورا

كيف نقيس مدى نجاح التعليم عبر الانترنت

       أحد مساوئ المقررات الهائلة المتاحة عبر الانترنت أنها ليست على درجة عالية من الفعالية، على الأقل اذا قيست الفعالية على أساس معدلات الإنجاز. فإتمام 20% من الطلاب لمقرر عبر الانترنت يعتبر انجاز هائل، و اتمام 10% أو أقل من الطلاب للمقرر هو المعدل العادي. لذا فإن المقررات المتاحة عبر الانترنت لا تزال في طور الهواية و لم تصل بعد لدرجة أن تكون بديل حقيقي للتعليم التقليدي. الداعمون للتعليم عبر الانترنت  يرون أن لغة الأرقام تصب في صالحه حيث أنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يمهد للحدث الهائل المقبل على الانترنت –الجامعات. اذا حضر 100000 طالب مقرر مجاني عبر الانترنت و أتمه منهم 5000 فقط فإن الرقم ليس بهين. إن طبيعة المقررات المتاحة عبر الانترنت من حيث كونها رقمية و منشورة على الشبكة يجعل منها وسط مثالي لتقييم المحتوى. في وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا تعاقدها مع احد مطوري المقررات المتاحة عبر الانترنت يوداسيتي Udacity لتصميم ثلاث مقررات تجريبية. و قد ذكروا أن المؤسسة الوطنية للعلوم وافق

تعريف بكتب مصطفى محمود (1) عصر القرود

غلاف الكتاب كتاب خفيف و شيق، يقع في مائة صفحة. يصف فيه الكاتب عصرنا هذا- أفترض أنه مازال نفس العصر -  بأنه عصر القرود. عصر انخسف فيه الإنسان و انحط إلى أدنى درجات البهيمية عندما أهمل روحه و عقله، و صار عبداً لجسده و شهواته. فيتحدث عن المرأة المرغوبة أو المرأة "السكس" -كما يسميها في الكتاب- تلك المائلة المميلة التي حولت نفسها لوجبة تنادي الآكلين. ثم يعرض مظاهر قدوم عصر القرود من فساد الأرض و البحر و الجو و حتى الفضاء على يد الإنسان، علاوة عن الفساد الخلقي المصطبغ بصبغة عقلية كاذبة. و ينتقل الكاتب إلى انتقاد الفهم الشائع عن الحب و الغرام؛ و يقدم مفهومه الخاص للعلاقة السليمة بين الرجل و المرأة و التي يرى أنها تعتمد على السكن و المردة و الرحمة كما ذكر القرآن لا على الحب  و يعتبر الكاتب الحب صنم العصر الذي يطوف حوله العاشقين. حيث يرى أنه لا يشكل أساساً قويماً تنبني عليه علاقة. و يبين كيف أن الرجل الفاضل لا ينجرف في تيار العشق؛ و دلل على ذلك بدعاء يوسف لربه  (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]  و كذلك برأي الإ