التخطي إلى المحتوى الرئيسي

زومبي..الإنسان في وضع حفظ الآلة

Egypt

  



      قالوا أن الحيوانات يمكن أن تأمنها وهي شبعانة وتخافها وهي جائعة، أما الإنسان تأمنه جائعاً و تخشاه شبعاناً. الإنسان يتبدل في العوز، لا يأبه بحقوقه أو واجباته، ما يحب أو ما يكره، ما يليق أو ما لا يليق. لا يأبه بأي شيء سوى الحفاظ على الآلة (الجسد).
إنه أشبه ما يكون بزومبي يفقد كل مشاعره و ملكاته و أفكاره و يتحول إلى آلة متحركة لا بشيء سوى بدافع الحصول على ما يسد حاجاته الحيوانية.


زومبي

يبدو أن نسبة كبيرة منا قد أصابها الوباء و تحولت إلى زومبي.

وباء صنعه الجوع و الفقر و المرض و التعليم المريع و القهر المحيط و الإرهاب الدائم و  الذل و الخوف و الجهاد من أجل متطلبات الحياة الأساسية على مر سنوات و سنوات.


علمونا في مدرستنا إزاي نحب مصر؟

الأغنية جميلة لكني لا أعرف أين هذه المدرسة العظيمة التي تعلم طلابها الحب و التآخي و الوطنية  و الصدق و الأخلاق الحميدة والوحدة الوطنية. لم أر مدرسة في مصر لا تعلم نقيض هذه الصفات.
المدارس المصرية هي المفرخ الأول لكل صفات الكراهية و العداء و الإنحراف الأخلاقي. لا أستثني من هذا سوى بعض غريبي الأطوار في بعض المدارس ممن اتخذوا الصدق ديدن و حسن الأخلاق أسلوب حياة. وهؤلاء ترى الطلاب والمدرسين الآخرين يتهامسون بالاستهزاء بأفعالهم دائماً و كأنهم مجموعة من المعاقين ذهنياً.
 و لذلك فليس من العجيب أن يكون ترتيب مصر من 148 دولة فيما يخص التعليم هو:
مستوى جودة التعليم الإبتدائي 148
جودة نظام التعليم 145
جودة تعليم العلوم و الرياضيات 145
جودة تعليم الإدارة 145  *

 في الحقيقة ليست المدرسة وحدها بل ربما كل مؤسسات المجتمع. المدرسة و البيت و الشارع و النادي و المسجد كلهم تعاونوا على صناعة مواطن مشوه.
فنتج تغير هائل في الشخصية المصرية. وصار المصري الذي وصفناه دائماً بالطيبة و الكرم و نبل الأخلاق كائن منقرض لم يبق من سلالته سوى بعض الغرباء الذين يتعجب المجتمع من سلوكهم المعوج الغريب.

العقول المدجنة

كمصريين خضعنا لعملية تدجين واسعة النطاق من خلال كل مؤسسات المجتمع في البيت و الشارع و المسجد و النادي. كانت المهمة الكبرى دائماً هي تدجين العقل و تحجيم نطاق حريته. لينتج مواطن مدجن مسلوب الإرادة و يكون بعد ذلك على النابهين ممن اكتشفوا عملية التدجين أن يقضوا بقية حياتهم في معالجة آثار التدجين في أنفسهم و التخلص من رواسب الفكر التدجيني في عقولهم.

لكن لماذاذا يدجنوننا؟
العقل المدجن فاقد القدرة على التفكير النقدي أو الإبتكاري.
العقل المدجن لا يعارض أو يثور.
العقل المدجن يخاف التغيير أي تغيير.
العقل المدجن يرضى بالوضع الراهن و يجاهد ليبقيه كما هو.
العقل المدجن لا يسعى لتطوير أو تحسين.
العقل المدجن يرضى بالعبودية.
العقل المدجن يرضى بسلب حقوقه و إهانة كرامته دون أن نتتفض فيه ردود الفعل الإنسانية الطبيعية.
العقل المدجن ليس به مكان للأحلام، فقط يملؤه الخوف من التغيير، الخوف من غير المألوفات جميعاً.
العقل المدجن لا ينتج أفكار جديدة، و لا يعتنق معتقدات عن نقد و تحليل؛ بل يستهلك أفكاراً معلبة، و قوالب عقائدية جاهزة.
الخلاصة؛ المدجن مطية مثالية لأي حاكم أو مستبد أو محتكر أو سارق أو فاسد.

الاستخسار
هذا الشيء لن ينفعني (أو قد يضرني)..لكني لن أتركه (خسارة).
هذا الشيء لن ينفعني، لكن غيري يحتاج إليه بشدة..لابد من استخدامه حتى لا ينتفع به الغير (خسارة).
حصل ولدي على مجموع جيد، و الأحمق يريد أن يدخل كلية عادية، لكنني لن أسمح له أبداً (خسارة) المجموع.


لذة التخريب
ادخل أي مدرسة حكومية. انظر إلى المقاعد و المكاتب و الحوائط و صنابير المياه، انظر إلى أي شيء. ستجد قدر من التدمير و التخريب لا يفسره -في رأيي- سوى أن رواد هذا المكان يتلذذون بالتخريب. لاحظ أيضاً كم الإسراف الهائل في استهلاك الموارد. سمعت من عدة سنوات أن استهلاك مجمع التحرير للمياه في أيام العطلات يعادل 80% من استهلاك يوم العمل العادي!
إنها لذة التخريب..إنها فكرة "ده مال حكومة" ربما يحاول المواطن بذلك أن ينتقم من الحكومة التي تسرقه طوال الوقت بسرقة مالها، و تخريب ممتلكاتها. إنه لا يعرف حتى أن ذلك الشيء الذي يخربه أو المال الذي يسرقه هو مال الناس جميعاً. هو يعتبر أنه يعيش في مملكة يملك فيها الملك كل شيء، و ما يخرج من يديه إلى الشعب فهو عطايا صاحب المنة مولانا السلطان.
و القاعدة الزومبية تقول "إذا لم تستتطع أن تحصل عليه؛ استمتع بتخريبه كي لا يستخدمه غيرك"

متدين بطبعه
حسناً.. لا جدال أن الدين مغزول في نسيج الحياة اليومية للمصريين. و هذه العبارة اقتبستها من صحفي أمريكي. و هم -الأجانب- أقدر على ملاحظة مدى تديننا على الأقل من خلال مقارنة سلوك مجتمعنا بمجتمعاتهم.
لكن الرجل استخدم عبارة دقيقة؛ إذ لا يعني ظهور الدين و آثاره في كل تفاصيل حياتنا أننا ملتزمون دينياً بالفعل. و أظنني لا أحتاج إلى سرد بعض المواقف و المظاهر التي تدل على تردي واقعنا الأخلاقي و الديني، في الوقت الذي تتصاعد فيه أصوات الشيوخ على الفضائيات، و تتطاول فيه اللحى في الشوارع.
آسف أن أقول أن واقعنا الديني يذكرني بتفسيري لعبادة الأصنام؛ حيث أرى أن عابد الصنم-و أمثاله من المنحرفين دينياً- يعرف في قرارة نفسه أنه على باطل، و أن هذا الصنم لا ينفع و لا يضر. لكنه يروي عنده ظمأ الروح و لو بماءٍ عكر، و يسكت صوت الضمير، و يسوغ له ارتكاب الموبقات ببال مستريح و ضمير ساكت. لا بأس إذن إذا ركعت للصنم أو قدمت له قرباناً في سبيل كل هذا. 
إلا من رحم الله.


رعاة الشوفينية
يتغنون دائماً بالمصري كريم الأصل، نبيل الصفات، قوي الجسد، حاد الذكاء، صحيح التدين. و هم يعرفون أن هذا الكائن الأسطوري لم يعد له وجود بعد.

قال غاندي " لم ترى الهند سياسي شجاع يستطيع أن يصارح الهنود بأن البقرة يمكن أكلها"، لكن 
الشوفينية هي الطريق السهل إلى قلوب و أصوات المواطنين.
لم تكن من صفات السياسيين على مر التاريخ مصارحة الشعوب، بل كانت تلك رسالة الأنبياء و المصلحين. لذلك أرى أننا لا نحتاج إلى سياسيين، إنما نحتاج إلى قادة مصلحين. لا نحتاج إلى من يتغنى بأمجادنا، بل نحتاج بمن يصارحنا بأمراضنا و نمضي معه إلى العلاج. 
لا بأس من الإعتزاز بأمجاد الأجداد، و طهارة الأصل. لكن ذلك الإعتزاز لا يفيد وحده، و المغالاة فيه- الشوفينية- هي بداية كل حماقة يمكن أن ترتكب في حق الوطن و باسمه.


تحرش و اغتصاب أو التجربة الهندية
في أعقاب الثورة المصرية يناير2011 جال بنا الأخوة المثقفون في أروقة التجارب ما بين تركية و ماليزية و يابانية و هندية.
الفكرة وراء ضرورة تبني التجربة الهندية هي التعايش في ظل التنوع الإثني و اللغوي و الديني، و تخطي الإختلافات لصناعة حضارة و تقدم. إلا أننا تبنينا جانب آخر من جوانب التجربة الهندية. ظاهرة السعار الجنسي في الهند؛ يبدو أننا قد قررنا أنها تستحق التطبيق في مجتمعنا أكثر من غيرها. لذا شهدنا انتشار حالات التحرش الجماعي، و الإغتصاب الجماعي.
 حتى لقد وصل الأمر إلى انحسار ضحايا "ثورة!" 30 يونيو في ضحايا الإغتصاب و التحرش في ميدان التحرير. الأمر جد و ليس هزل إذن، بل و قد نشرت هيومن رايتس ووتش تقرير يضم شهادات بعض ضحايا الإعتداءات ممن تعرضن للإغتصاب داخل الميدان.

إذا لم تستح

مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، و هو ما نسيناه-نحن المصريون- في وقتنا الحالي. فبعد أن اشتهرنا بـ"عيب" "مايصحش" "استحي" "اختشي" اشتهرنا بها في السابق على أشياء من الصعب اعتبارها أساساً "عيب" و الآن صارت الـ "عيب" و الـ "مايصحش" تقال في مسائل تتعلق فقط بالماديات و المظاهر. فمن الـ "عيب" أن تظهر بشكل متواضع أو أن تخفض جناحك للبسطاء.

لكن هذا الـ "عيب" لا يجد مشكلة في الألفاظ البذيئة، و السلوك البذيء، و الطباع البذيئة.

لقد استمرأنا البذاءة فصارت بيننا شيء طبيعي في حال أشبه ما يكون بدياثة الطباع.
أصبحت تسمع كلمات و ترى أفعال و تشاهد سلوكيات لا يغقل أبداً أن يتفبلها إنسان انطبعت نفسه على شيء من المرؤة أو الحياء أو حتى قليل من سلامة الفطرة و نقائها و لا أحد يستغرب الفعل -و لا أقول يرفضه أو يغيره-.
لعن الذين كفروا من بني إسرائيل لماذا؟ ..لأنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

بداية الحل إدراك الواقع و الإستيقاظ من حلم المصري العظيم الذي نعيشه.
بداية الحل تعليم يليق بالأبناء، و مؤسسات مجتمع تبني و لا تهدم.
بداية الحل تدين حقيقي،و خلق قويم.


..................
*تقرير التنافسية العالمي 2013/2014

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تحدد كونك مجنون أو عاقل؟

  هل أنت مجنون، أم عاقل؟ طبعاً عاقل؛ هل جننت؟ و ما أدراك أنك عاقل؟ كيف أبدو لك؟ دعك مني، ما دليلك على كونك عاقل? لا أتصرف كالمجانين. و هل يدرك المجنون أنه يتصرف كالمجانين؟ أقصد لا أرتدي ثياب ممزقة، و لا أضرب الناس، و لا أكلم نفسي، و لا أتخيل أشياء غير موجودة. و هل يدرك المجنون إتيانه لهذه التصرفات؟ حسناً، كيف تثبت أنت أنك عاقل؟ لا أستطيع أن أثبت ذلك؛ ليست هناك قواعد ثابتة لدى كل الكائنات تحكم على مدى منطقية الأحداث. في الحلم ترى أشياء عجيبة لا يمكن تصديقها مع ذلك لا تستغربها إطلاقاً و تتصرف معها بشكل طبيعي جداً كأنك لا ترى أي شيء غريب. كذلك المجنون يرى الأشياء وفق منطقه الخاص يرى الأشياء بعينه هو ليس كما تراها أنت و يتفاعل معها بمنطقه هو ليس بمنطقك أنت فيبدو لك مجنون. و المجنون بذلك هو من يختلف نمط إدراكه عن نمط إدراك بقية البشر العاديين، و يختلف منطق حكمه و بالتالي طريقة تفاعله عن البشر العاديين. كثيراً ما نسمع عبارة أن الجنون و العبقرية بينهما شعرة. ماذا لو كانت تلك الشعرة هي الفاصل الدقيق بين بين نهاية النمط البشري العادي في الادراك و التفكير و ما ورا

كيف نقيس مدى نجاح التعليم عبر الانترنت

       أحد مساوئ المقررات الهائلة المتاحة عبر الانترنت أنها ليست على درجة عالية من الفعالية، على الأقل اذا قيست الفعالية على أساس معدلات الإنجاز. فإتمام 20% من الطلاب لمقرر عبر الانترنت يعتبر انجاز هائل، و اتمام 10% أو أقل من الطلاب للمقرر هو المعدل العادي. لذا فإن المقررات المتاحة عبر الانترنت لا تزال في طور الهواية و لم تصل بعد لدرجة أن تكون بديل حقيقي للتعليم التقليدي. الداعمون للتعليم عبر الانترنت  يرون أن لغة الأرقام تصب في صالحه حيث أنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يمهد للحدث الهائل المقبل على الانترنت –الجامعات. اذا حضر 100000 طالب مقرر مجاني عبر الانترنت و أتمه منهم 5000 فقط فإن الرقم ليس بهين. إن طبيعة المقررات المتاحة عبر الانترنت من حيث كونها رقمية و منشورة على الشبكة يجعل منها وسط مثالي لتقييم المحتوى. في وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا تعاقدها مع احد مطوري المقررات المتاحة عبر الانترنت يوداسيتي Udacity لتصميم ثلاث مقررات تجريبية. و قد ذكروا أن المؤسسة الوطنية للعلوم وافق

تعريف بكتب مصطفى محمود (1) عصر القرود

غلاف الكتاب كتاب خفيف و شيق، يقع في مائة صفحة. يصف فيه الكاتب عصرنا هذا- أفترض أنه مازال نفس العصر -  بأنه عصر القرود. عصر انخسف فيه الإنسان و انحط إلى أدنى درجات البهيمية عندما أهمل روحه و عقله، و صار عبداً لجسده و شهواته. فيتحدث عن المرأة المرغوبة أو المرأة "السكس" -كما يسميها في الكتاب- تلك المائلة المميلة التي حولت نفسها لوجبة تنادي الآكلين. ثم يعرض مظاهر قدوم عصر القرود من فساد الأرض و البحر و الجو و حتى الفضاء على يد الإنسان، علاوة عن الفساد الخلقي المصطبغ بصبغة عقلية كاذبة. و ينتقل الكاتب إلى انتقاد الفهم الشائع عن الحب و الغرام؛ و يقدم مفهومه الخاص للعلاقة السليمة بين الرجل و المرأة و التي يرى أنها تعتمد على السكن و المردة و الرحمة كما ذكر القرآن لا على الحب  و يعتبر الكاتب الحب صنم العصر الذي يطوف حوله العاشقين. حيث يرى أنه لا يشكل أساساً قويماً تنبني عليه علاقة. و يبين كيف أن الرجل الفاضل لا ينجرف في تيار العشق؛ و دلل على ذلك بدعاء يوسف لربه  (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]  و كذلك برأي الإ