التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عندما قرروا تأميم الكيك



لم أكن قد جربت الأمر من قبل، لكنهم أكدوا مراراً أن العملية سهلة وبسيطة للغاية، ونشروا أراء بعض المواطنين الذين حصلوا على الكيك من المصلحة الحكومية وأثنوا على جودتها وتكلفتها وسهولة الإجراءات.

توجهت إلى مصلحة الكيك صباح أمس وسألت أول من قابلت في المصلحة "إلى أين أتوجه لأشتري الكيك؟". فأشار إلى أحد الممرات وقال لي "آخر شباك على اليمين".

توجهت إلى الشباك فإذا بفتاة حسناء، قلت لها "صباح الخير.. أريد أن أشتري كيك..". رفعت عينيها عن الشاشة المنخفضة وناولتني ورقة وقلم، وطلبت مني ملء استمارة. نظرت في الورقة فإذا هي استمارة حكومية عنوانها "طلب حصول على خدمة إعداد الكيك"، بدأت أدون اسمي ووظيفتي ورقمي القومي وديانتي وجنسيتي وحالتي الاجتماعية واسم زوجتي وعدد الأبناء، ثم عدد قطع الكيك المطلوبة ونوعها والإضافات المرغوبة وطريقة التغليف المفضلة.. بدا لي الأمر غريب بعض الشيء، لكنها أول مرة أشتري فيها الكيك المؤمم؛ فمن الطبيعي أن يبدو كل شيء غير مألوف.

راجعت ما دونت ثم وقعت باسمي وأعدت الاستمارة للفتاة فدققت في بعض النقاط ثم التقططت ورقة أصغر حجماً دونت بها بعض الأرقام والكلمات، ثم ناولتني إياها مع الاستمارة وقالت "ادفع المبلغ المستحق في الخزينة، ثم توجه بالاستمارة وإيصال الخزينة إلى الأستاذة ريهام". سألتها عن مكان الخزينة، فأشارت إلى شباك مجاور.

ذهبت إلى الخزينة وألقيت التحية على الموظف المنهمك في قراءة الجريدة، فرفع عينيه عنها وأخفضها فظهرت نظارة صغيرة متدلية على أنفه نظر إلى من فوقها ورد التحية وقال "مر". قلت له "الأمر لله.. أريد شراء الكيك، وقد جئت لتسديد الثمن". لمح بعينيه الوقتين في يدي ثم قال " مازالت الساعة التاسعة والنصف، لا نبدأ في تلقي النقد قبل الساعة العاشرة". أخبرته أنني في عجلة من أمري وأحتاج للانتهاء مبكراً، فنظر لي وقد بدت ملامحه أكثر صرامة وقال "هذا هو النظام، ولا يمكن أن نسمح بأي استثناءات، كما أنك حتى لو سددت المبلغ الآن فستضطر إلى الانتظار لأن المراحل التالية لا تبدأ إلا بعد العاشرة".
لم أفهم ما المقصود بالمراحل الأخرى، لكنني وجدت أن لا فائدة من الجدال فقرت الانتظار حتى العاشرة.

عدت إلى شباك الخزينة عند العاشرة ووجدت أن المواطنين قد بدأوا يتوافدون على المصلحة لشراء الكيك، لابد أنني بالفعل جئت مبكراً أكثر من اللازم. نظر إلى موظف الخزينة من فوق نظارته ومد يده فناولته إذن الدفع والطلب، التقط إذن الدفع ثم طالعه وطلب مني المبلغ، ناولته إياه، فعده وأعطاني الباقي ثم أخذ يدون أشياءاً في سجلاته حتى إذا انتهى ناولني إيصالين أحمر وأزرق. فقلت له ماذا أفعل الآن. قال"الأستاذة ريهام، الدور الثاني".

نظرت من حولي فلمحت درجاً في نهاية الممر، صعدت منه إلى الطابق الثاني وسألت أول من قابلت من الموظفين "أين أجد الأستاذة ريهام؟". فأمسك بمرفقي واستدار بي وأشار إلى أحد الشبابيك. توجهت إلى الشباك الذي لم يكن أمامه أحد بعد، يبدو أنني أول عميل عندهم اليوم.. التقطت الأستاذة ريهام الطلب وأحد الإيصالين من يدي ثم دققت بالطلب وأخرجت استمارة صغيرة دونت بها بعض الأشياء ثم وقعت عليها وناولتني الطلب والاستمارة الصغيرة وطلبت مني الاتجاه إلى الغرفة بآخر الممر وإعطاء موظف الخزين الاستمارة الصغيرة ليصرف لي المكونات ثم أتجه بالمكونات والطلب إلى الأستاذ سليمان.

توجهت إلى غرفة الخزين فوجدت شاباً ناولته الاستمارة الصغيرة، فطالعها وألقى دعابة مفادها أنني أتناول الكيك مبكراً، ثم التقط كيس دقيق وبعض البيض وأشياء أخرى ووضعها في كيس بلاستيكي ثم أعطاه لي. شكرته وسألته عن مكان الأستاذ سليمان، فأشار إلى شباك مجاور.

وعند الأستاذ سليمان كنت أيضاً أول العملاء، فناولته المكونات والطلب فسجل شيئاً عنده ووضع ملصقاً على المكونات يحمل رقماً، وناولني ورقة صغيرة تحمل نفس الرقم وطلب مني الانتظار بالطابق الأول عند مكان التسليم حتى يتم إعداد الكيك.. ففهمت إنهم يرسلون الكيك بعد طهوه إلى هناك لنستلمه وننصرف، فسألته كم من الوقت سأنتظر، أخبرني أنهم يجمعون كل خمس طلبات معاً، لا يشعلون الفرن على أقل من ذلك، وقد يستغرق الأمر من ساعة إلى ساعتين.. فوجمت، ثم قلت له أنني أباشر الإجراءات منذ أكثر من ساعتين بالفعل وقد كنت أول عميل يأتي المصلحة، فكيف أنتظر كل هذا. نظر لي بحزم وقال "هذا هو النظام يا أستاذ، هذه مصلحة حكومية تسير بنظام ثابت وليست شركة، وأنت لست عميل، أنت مواطن يطلب الحصول على خدمة".

فلما وجدت أن لا فائدة من الجدال، هبطت إلى الطابق الأول وجلست على المقاعد المشار إليها أنها استراحة الانتظار.. نعم هذه التي نجلس عليها الآن. وانتظرت طويلاً وبدأ الناس يتوافدون على الاستراحة وعددهم يزيد، حتى تم فتح هذا الشباك الذي أمامنا وجلست خلفه موظفة مسنة، هي نفس هذه الموظفة التي تجلس هناك الآن، فجاءها ساعٍ يحمل أوراق أخذتها منه ووضعتها أمامها، ثم جاءها آخر يحمل علب كيك ووضعها بجوارها.. حينها تنفست الصعداء واعتبرت أن عذابي قد انتهى.

وهممت بالتوجه إليها حين بدأت تنادي الأرقام، لكنها نادت أرقام ليس من بينها رقمي وأعطتهم الكيك، فلما انتهت منهم توجهت إليها وأخبرتها أنني أول رقم، فقالت لي أنها تعمل من خلال الكشف الذي يأتيها، وسألتني عن رقمي فناولتها الورقة الصغيرة. قرأت الرقم ودققت في الكشف ثم أخبرتني أنها راجعت الكشف ولم تجد الرقم.. ثم قالت لي ربما يكون رقمك "بالأوردر" التالي، أو ربما يمكنك الذهاب إليهم بالطابق الثاني للاستفسار.

صعدت إلى الطابق الثاني وتوجهت إلى الأستاذ سليمان فوجدت الناس قد اصطفوا أمامه في طابور، ولما حاولت الوصول إليه مباشرة ردني وطلب مني الالتزام بالطابور لأنه ليس عنده "خيار و فاقوس"، حاولت أخبره أنني لا أريد تقديم طلب جديد، إنما أريد الاستفسار عن طلبي لكني وجدت نظرات الناس تكاد تأكلني فأوكلت أمري لله ووقفت في الطابور.

مضت نصف ساعة من الوقوف في الطابور حتى وصلت لشباك الأستاذ سليمان. فلما وصلت ناولته الورقة الصغيرة التي تحمل رقم طلبي وكان يتوقع أن أناوله كيس به دقيق وبيض.. فنظر إلي مستفسراً، فأخبرته أنني أحمل أول رقم لكني لم أجد رقمي بالأسفل، فاستدار ونادى على أحد العمل "ماذا كان رقم الطلب الناقص يا محمد" فأتاه الرد من الداخل برقمي! ما معنى هذا!

أخبرني الأستاذ سليمان أن بعض مكونات طلبي ناقصة، وأنه سعطيني ورقة أذهب بها إلى غرفة الخزين لإحضار المكونات الناقصة.. كدت أثور في وجه الرجل لكني كظمت غيظي، فاستكمل الأستاذ سليمان كلامه قائلاً "عندنا تأتي بالمكونات الناقصة لن يكون عليك الوقوف بالطابور مرة أخرى، فقط ناولني إياها من جانب الشباك مباشرة.

بصبر نافذ توجهت إلى الغرفة بنهاية الممر حيث الشاب الذي أعطاني المكونات ناقصة، ووقفت بطابور آخر جعلت ألعن حياتي كلها وأنا أنتظر به، ثم وصلت إلى الشاب وناولته الورقة وأخبرته أن مكونات طلب ناقصة، فأخذ يقلب بالاستمارت الصغيرة حتى أخرج استمارتي التي صرف لي بها المكونات، وقارنها بالنواقص التي يطلبها الأستاذ سليمان.. ثم قال لي أن الاستمارة ليس بها هذه المكونات، وأنه لا يستطيع أن يصرف لي هذه النواقص لأنها غير موجودة في الاستمارة الأصلية.

حاولت أن أكظم غضبي وأضبط لغتي لكني لم أنجح تماماً، فخرجت كلماتي عنيفة تبشر بانفجار قادم، فرد الشاب بكلمات سريعة عصبية مفادها أن هذا ليس خطأه وأنه لا يستطيع أن يصرف لي شيء غير مدون بالاستمارة، لأن هذا سيحتسب كعجز في المخزون يتحمله هو. فسألته محاولاً أن أتحكم في أعصابي "إذن ماذا أفعل الآن" فأشار إلي أن أعود للأستاذة ريهام، فهي التي كتبت استمارة المكونات، وأعطاني الورقة التي كتب بها الأستاذ النواقص واستمارة المكونات ونبهني أنه لا يجب أن يعطيني هذه الاستمارة لأنها هي الوثيقة التي تثبت صرف المكونات، وبدونها تصير هذه المكونات عجز يتحمله هو عند الجرد، وأكد علي ألا أنصرف قبل إعادتها له، فشكرته ووعدته بإعادتها.

وعند الأستاذة ريهام وقفت في طابور ثالث كنت وأنا واقف به أتميز من الغيظ حتى لاحظ الواقفون معي ذلك ولم يفهموا مصدر هذا الغيظ. لكني وصلت في النهاية إلى الأستاذة ريهام التي كانت سبب كل هذا العناء، هي امرأة في النهاية ولا يليق بي أن أنفعل عليها، فحكيت لها ما قد جرى وناولتها استمارة المكونات، والورقة التي كتب بها الأستاذ سليمان المكونات الناقصة.
فنظرت في الورقة والاستمارة ثم طلبت مني استمارة الطلب الأصلية.. مرة أخرى حاولت تمالك أعصابي واخبرتها أنها ليست معي وأنها عند الأستاذ سليمان، فأخبرتني أنها تحتاج إلى الاستمارة الأصلية لتعرف ما إذا كانت هذه النواقص مذكورة في الاستمارة الأصلية أم لا.

كادت الكلمات تخرج من فمي بعصبية شديدة لكني أمسكتها في آخر لحظة، لكن ما كتمته بفمي ظهر على وجهي، ويبدو أن الأستاذة ريهام لاحظت ذلك، فقالت سأتصل بالأستاذ سليمان وأراجع معه الاستمارة.
فانحرفت بمقعدها والتقطت سماعة الهاتف وطلبت الأستاذ سليمان فسمعت رنين هاتفه، لكنه لم يجب، ظل الهاتف يرن وهو لا يجيب.. بدأت أشعر بالواقفين خلفي في الطابور يتململون. حاولت الأستاذة ريهام الاتصال به مرة أخرى، وظل الهاتف يرن، لكنه لا يرد..
بلغ حنقي منتهاه، فانحرفت عن الطابور ووجهت وجهي ناحية شباك الأستاذ سليمان وصحت "أستاذ سليمااان". التفت جميع من بالطابق ناحيتي وصمتوا جميعاً كأن الزمن توقف لا يقطع هذا الصمت سوى رنين الهاتف.
مد الأستاذ سليمان رأسه من الشباك مستفسراً، فقلت له بصوت أقل ارتفاعاً "رد على الهاتف لو سمحت".

بالفعل رفع الأستاذ سليمان السماعة وراجع مع الأستاذة ريهام استمارة الطلب الأصلية حتى تبينت أنها أغفلت كتابة بعض المكونات. نظرت إلى الأستاذة ريهام متأسفة وأخبرتني أنها أغفلت كتابة بعض المكونات بالفعل، ربما لأني كنت أول المتعاملين ولم تكن دخلت في "مود الشغل" بعد، فأومأت برأسي أنني أتفهم ذلك، ثم قالت أنها لحسن حظي إن كانت أغفلت سرد تلك النواقص في الاستمارة فهي لم تغفلهم في التكلفة، وإلا لكان على تسديد الفارق بالخزينة. ثم أخبرتني أنها ستكتب لي استمارة أخرى بالنواقص وأن هذا سيسبب لها مشاكل في الجرد لأن الاستمارات مرقمة تسلسلياً لكنها لا تريد أن تعطلني أكثر من ذلك. شكرتها وأخذت الاستمارة الجديدة والقديمة وتوجهت بهما إلى الشاب في غرفة الخزين متجاوزاً الطابور الصغير الواقف أمامه، ما أثار نظرات الاستنكار في الواقفين، لكني لم آبه، التقط مني الشاب الاستمارتين وناولني النواقص التي انصرفت بها إلى الأستاذ سليمان وناولته إياها فناولني رقم جديد، فسألته مستنكراً "هل سيكون علي الانتظار من جديد!" فأخبرني متهكماً أنهم لا يلتقطون الكيك من على الأرفف ويناولونه للمواطنين، وأنني لابد أن أنتظر حتى يتم إعداد الكيك وإنضاجه. جزء مني عزم على البطش به، لكن جزء آخر لمح فيه ملامح من أبي. انتصر الجزء الثاني فرفقت به، فأنا لا أحب أن يلكم أحداً أبي.

هبطت مرة إخرى إلى الطابق الأول ممسكاً بهذا الرقم وتوجهت لهذه الاستراحة مرة أخرى، وكان عدد الناس قد تزايد بها حتى أنني لم أجد مقعداً شاغراً، فانتظرت واقفاً. وبعد طول انتظار قل العدد وجلست حتى  لم يبق حولي سوى ستة أو سبعة أفراد وقفت هذه الموظفة وقالت، الأرقام المتبقية تستلم الكيك غداً وأغلقت الشباك وانصرفت.

وهأنذا قد جئت الآن لأستلم الكيك الخاص بي! 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تحدد كونك مجنون أو عاقل؟

  هل أنت مجنون، أم عاقل؟ طبعاً عاقل؛ هل جننت؟ و ما أدراك أنك عاقل؟ كيف أبدو لك؟ دعك مني، ما دليلك على كونك عاقل? لا أتصرف كالمجانين. و هل يدرك المجنون أنه يتصرف كالمجانين؟ أقصد لا أرتدي ثياب ممزقة، و لا أضرب الناس، و لا أكلم نفسي، و لا أتخيل أشياء غير موجودة. و هل يدرك المجنون إتيانه لهذه التصرفات؟ حسناً، كيف تثبت أنت أنك عاقل؟ لا أستطيع أن أثبت ذلك؛ ليست هناك قواعد ثابتة لدى كل الكائنات تحكم على مدى منطقية الأحداث. في الحلم ترى أشياء عجيبة لا يمكن تصديقها مع ذلك لا تستغربها إطلاقاً و تتصرف معها بشكل طبيعي جداً كأنك لا ترى أي شيء غريب. كذلك المجنون يرى الأشياء وفق منطقه الخاص يرى الأشياء بعينه هو ليس كما تراها أنت و يتفاعل معها بمنطقه هو ليس بمنطقك أنت فيبدو لك مجنون. و المجنون بذلك هو من يختلف نمط إدراكه عن نمط إدراك بقية البشر العاديين، و يختلف منطق حكمه و بالتالي طريقة تفاعله عن البشر العاديين. كثيراً ما نسمع عبارة أن الجنون و العبقرية بينهما شعرة. ماذا لو كانت تلك الشعرة هي الفاصل الدقيق بين بين نهاية النمط البشري العادي في الادراك و التفكير و ما ورا

كيف نقيس مدى نجاح التعليم عبر الانترنت

       أحد مساوئ المقررات الهائلة المتاحة عبر الانترنت أنها ليست على درجة عالية من الفعالية، على الأقل اذا قيست الفعالية على أساس معدلات الإنجاز. فإتمام 20% من الطلاب لمقرر عبر الانترنت يعتبر انجاز هائل، و اتمام 10% أو أقل من الطلاب للمقرر هو المعدل العادي. لذا فإن المقررات المتاحة عبر الانترنت لا تزال في طور الهواية و لم تصل بعد لدرجة أن تكون بديل حقيقي للتعليم التقليدي. الداعمون للتعليم عبر الانترنت  يرون أن لغة الأرقام تصب في صالحه حيث أنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يمهد للحدث الهائل المقبل على الانترنت –الجامعات. اذا حضر 100000 طالب مقرر مجاني عبر الانترنت و أتمه منهم 5000 فقط فإن الرقم ليس بهين. إن طبيعة المقررات المتاحة عبر الانترنت من حيث كونها رقمية و منشورة على الشبكة يجعل منها وسط مثالي لتقييم المحتوى. في وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا تعاقدها مع احد مطوري المقررات المتاحة عبر الانترنت يوداسيتي Udacity لتصميم ثلاث مقررات تجريبية. و قد ذكروا أن المؤسسة الوطنية للعلوم وافق

تعريف بكتب مصطفى محمود (1) عصر القرود

غلاف الكتاب كتاب خفيف و شيق، يقع في مائة صفحة. يصف فيه الكاتب عصرنا هذا- أفترض أنه مازال نفس العصر -  بأنه عصر القرود. عصر انخسف فيه الإنسان و انحط إلى أدنى درجات البهيمية عندما أهمل روحه و عقله، و صار عبداً لجسده و شهواته. فيتحدث عن المرأة المرغوبة أو المرأة "السكس" -كما يسميها في الكتاب- تلك المائلة المميلة التي حولت نفسها لوجبة تنادي الآكلين. ثم يعرض مظاهر قدوم عصر القرود من فساد الأرض و البحر و الجو و حتى الفضاء على يد الإنسان، علاوة عن الفساد الخلقي المصطبغ بصبغة عقلية كاذبة. و ينتقل الكاتب إلى انتقاد الفهم الشائع عن الحب و الغرام؛ و يقدم مفهومه الخاص للعلاقة السليمة بين الرجل و المرأة و التي يرى أنها تعتمد على السكن و المردة و الرحمة كما ذكر القرآن لا على الحب  و يعتبر الكاتب الحب صنم العصر الذي يطوف حوله العاشقين. حيث يرى أنه لا يشكل أساساً قويماً تنبني عليه علاقة. و يبين كيف أن الرجل الفاضل لا ينجرف في تيار العشق؛ و دلل على ذلك بدعاء يوسف لربه  (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]  و كذلك برأي الإ