التخطي إلى المحتوى الرئيسي

امتهان




وماذا بعد يا علاء..
ألم تتم دراستك الجامعية، وأنهيت التجنيد الإجباري، ماذا تنتظر إذن؟
لماذا لا تسعى لتلتحق بعمل كخلق الله؟
من يسعى يجد، أليس كذلك؟ هل تعتقد أن الوظيفة ستأتيك إلى باب دارك؟ لم يعد هذا يحدث يا ولدي.. أيامي وأيام جدك كنا نجلس في البيت ننتظر إلى أن يأتينا خطاباً في مظروف أصفر يخبرنا أنه تم تعييننا في الوظيفة الفلانية.. لكن لم يعد هذا وارداً في أيامكم هذه.
اسعى وعافر.. هذا هو السبيل الوحيد.
لا بد لكل إنسان من امتهان مهنة يكسب بها رزقه يا ولدي.. لو كنت ممن يستطيعون لسعيت لك عند أصحاب الأعمال أو ذوي النفوذ.. أما والأمر كما تعرف فلا حيلة لي ولا لك إلى مثل ذلك.
صدقني يا ولدي.. أشعر بالذنب كوني لا أقدر على مساعدتك بينما أرى هذا ينفق في سبيل إلحاق ولده بعمل في إحدى الدول الغنية، وهذا يجد من يتوسط لولده ليتم تعيينه في وظيفة بالدولة، وهذا قد أعد لولده مكاناً في شركته، وذاك قد ألحقه بعمل عند بعض معارفه.. وأجدني لم أقدم لك شيئاً..
فلا المال لدي، ولا النفوذ، ولا المعارف ذوو النفوذ.
وكل ما أستطيع أن أساعدك به هو النصيحة. ولا أجد لك نصيحة سوى السعي والاستعانة بالله، فليس لنا سواه.
تقول يا ولدي أنك لا تجد في نفسك ميلاً إلى تلك الوظائف المتوفرة التي قد تقبل بها، بينما الوظائف التي تريدها لا تقبل بك. لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه يا ولدي..هل تعرف أنني تمنيت في عهد صباي وشبابي الأول أن أصير صحفياً!.. أظنني لم أخبرك بذلك من قبل، لأنني قد نسيت ذلك الأمر تماماً.. كنت شاباً مثلك يا ولدي وأعرف ما تشعر به.. شعور أنك قد خلقت لتمارس ذلك العمل.. وشعورك بالعجز عندما تجد بينك وبين ذلك آماداً. أعرف كيف تأنف نفسك أن توضع في موضع لا يلاؤمها، وأعرف مهانة امتهان ما لا يحرك فيك شغفاً ولا يبعث في نفسك نشاطاً.. بكن ماذا بيدنا؟..صدقني.. الحياة تنسي كل شيء.
خذها نصيحة من عجوز يدعي أنه خبر الدنيا وذاق من مرها أكثر مما ذاق من حلوها لو كان فيها حلو.. نحن دمى يا ولدي.. دمى مشدودة بخيوط دقيقة لا يراها الناس.. تظن نفسها تتحرك، تظن نفسها تأتي هذا الأمر أو ذاك.. بينما هناك يد أخرى تحركها. ترى.. ماذا يفيد تلك الدمية أو هذه إذا ما طمحت في الخروج من المسرح!.. وماذا يفيدها إذا ما اشتهت الرقص حين تريد لها اليد المحركة العويل؟
لا يفيد ذلك سوى العذاب والألم.
لا تحاول أن تفهم الدنيا يا ولدي أن تعقلها، فلن تجني سوى التعب.
لا تحاول أن تغيرها، فلن تجني سوى الخيبة والألم.
الحسرة والالم خلقا لأولئك الذين يطمحون فيما ليس لهم إليه سبيل.
ولتعش يوماً بيوم، عش كما تملي الدنيا عليك أن تعيش.

أعرف أن الكتب التي تقرؤها تحثك على غير ذلك.. تحركك في اتجاه مغاير.. لكن هل سألت نفسك من كتب تلك الكتب؟ إنهم أناس امتهنوا الكتابة.. منها يكسبون عيشهم.. أترى لو كتبوا مثل ما أقوله لك هل كنت لتشتري كتبهم؟

إعلم يا ولدي أنه ليس أقسى على قلبي من دفعك لطرح ما تتمنى، لكن أولئك الذين تتمنى أن تصير يوماً مثلهم ليسوا مثلنا، هم من طينة أخرى، ولدوا في ظروف أخرى ولآباء آخرين.
أمامك حياة طويلة يا ولدي فلا تضيعها محاولاً مطاردة تلك الأحلام الوردية، بل عش واقعك.. امتهن، تزوج، أنجب صغاراً.. لكم أتمنى أن أرى ذريتك اليوم قبل الغد.. أحملهم.. أهدهدهم.. لا تحرمني من ذلك يا ولدي.
إن كنت ترى أن لي أي حق عليك.. فحقق لي هذه الامنية قبل فوات الأوان.

هأنذا أقدم لك حياة واقعية مرسومة سهلة، فهل هذا خير أم تلك الأوهام التي تعتريك وتجرفك إلى حيث لا أدري ولا تدري؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كيف تحدد كونك مجنون أو عاقل؟

  هل أنت مجنون، أم عاقل؟ طبعاً عاقل؛ هل جننت؟ و ما أدراك أنك عاقل؟ كيف أبدو لك؟ دعك مني، ما دليلك على كونك عاقل? لا أتصرف كالمجانين. و هل يدرك المجنون أنه يتصرف كالمجانين؟ أقصد لا أرتدي ثياب ممزقة، و لا أضرب الناس، و لا أكلم نفسي، و لا أتخيل أشياء غير موجودة. و هل يدرك المجنون إتيانه لهذه التصرفات؟ حسناً، كيف تثبت أنت أنك عاقل؟ لا أستطيع أن أثبت ذلك؛ ليست هناك قواعد ثابتة لدى كل الكائنات تحكم على مدى منطقية الأحداث. في الحلم ترى أشياء عجيبة لا يمكن تصديقها مع ذلك لا تستغربها إطلاقاً و تتصرف معها بشكل طبيعي جداً كأنك لا ترى أي شيء غريب. كذلك المجنون يرى الأشياء وفق منطقه الخاص يرى الأشياء بعينه هو ليس كما تراها أنت و يتفاعل معها بمنطقه هو ليس بمنطقك أنت فيبدو لك مجنون. و المجنون بذلك هو من يختلف نمط إدراكه عن نمط إدراك بقية البشر العاديين، و يختلف منطق حكمه و بالتالي طريقة تفاعله عن البشر العاديين. كثيراً ما نسمع عبارة أن الجنون و العبقرية بينهما شعرة. ماذا لو كانت تلك الشعرة هي الفاصل الدقيق بين بين نهاية النمط البشري العادي في الادراك و التفكير و ما ورا

كيف نقيس مدى نجاح التعليم عبر الانترنت

       أحد مساوئ المقررات الهائلة المتاحة عبر الانترنت أنها ليست على درجة عالية من الفعالية، على الأقل اذا قيست الفعالية على أساس معدلات الإنجاز. فإتمام 20% من الطلاب لمقرر عبر الانترنت يعتبر انجاز هائل، و اتمام 10% أو أقل من الطلاب للمقرر هو المعدل العادي. لذا فإن المقررات المتاحة عبر الانترنت لا تزال في طور الهواية و لم تصل بعد لدرجة أن تكون بديل حقيقي للتعليم التقليدي. الداعمون للتعليم عبر الانترنت  يرون أن لغة الأرقام تصب في صالحه حيث أنه استطاع خلال فترة قصيرة أن يمهد للحدث الهائل المقبل على الانترنت –الجامعات. اذا حضر 100000 طالب مقرر مجاني عبر الانترنت و أتمه منهم 5000 فقط فإن الرقم ليس بهين. إن طبيعة المقررات المتاحة عبر الانترنت من حيث كونها رقمية و منشورة على الشبكة يجعل منها وسط مثالي لتقييم المحتوى. في وقت سابق هذا الأسبوع أعلنت جامعة سان خوسيه بولاية كاليفورنيا تعاقدها مع احد مطوري المقررات المتاحة عبر الانترنت يوداسيتي Udacity لتصميم ثلاث مقررات تجريبية. و قد ذكروا أن المؤسسة الوطنية للعلوم وافق

تعريف بكتب مصطفى محمود (1) عصر القرود

غلاف الكتاب كتاب خفيف و شيق، يقع في مائة صفحة. يصف فيه الكاتب عصرنا هذا- أفترض أنه مازال نفس العصر -  بأنه عصر القرود. عصر انخسف فيه الإنسان و انحط إلى أدنى درجات البهيمية عندما أهمل روحه و عقله، و صار عبداً لجسده و شهواته. فيتحدث عن المرأة المرغوبة أو المرأة "السكس" -كما يسميها في الكتاب- تلك المائلة المميلة التي حولت نفسها لوجبة تنادي الآكلين. ثم يعرض مظاهر قدوم عصر القرود من فساد الأرض و البحر و الجو و حتى الفضاء على يد الإنسان، علاوة عن الفساد الخلقي المصطبغ بصبغة عقلية كاذبة. و ينتقل الكاتب إلى انتقاد الفهم الشائع عن الحب و الغرام؛ و يقدم مفهومه الخاص للعلاقة السليمة بين الرجل و المرأة و التي يرى أنها تعتمد على السكن و المردة و الرحمة كما ذكر القرآن لا على الحب  و يعتبر الكاتب الحب صنم العصر الذي يطوف حوله العاشقين. حيث يرى أنه لا يشكل أساساً قويماً تنبني عليه علاقة. و يبين كيف أن الرجل الفاضل لا ينجرف في تيار العشق؛ و دلل على ذلك بدعاء يوسف لربه  (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّى كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33]  و كذلك برأي الإ